|
المصدر الأصلى للصورة مصراوى |
"معايا هدايا اسكندرية و يا سلام على اسكندرية و حلاوة اسكندرية و جمال اسكندرية و جمال هدايا اسكندرية .. معايا الشنطة الحرير .. تشيلى فيها البصل و التوم .. تشيل فيها العيش و تهويه .. الشنطة الحرير .. ولا البلاستيك و أضراره .. الشنطة الحرير .. ولا .. تتقطع منك و انت ماشى .. ولا .. يعرق منك العيش و يبوظ فيها .. ولا .. البصل و التوم يبقوا مكتومين و يبوظوا .. الشنطة الحرير .. هدايا اسكندرية .. الحق قبل ما العرض يفوت .. الشنطة باتنين جنيه و بس .. ولا .. استغلال المحلات .. ولا .. التدوير عند بتوع الخردوات .. معانا الشنطة الحرير .. اتفرج على هدايا اسكندرية و حلاوة هدايا اسكندرية .. اتفرج يا بيه .. اتفرجى يا مدام .. ولا .. تندم لما أنزل من العربية .. شنطة هنا للمدام .. تحبّى لون إيه يا ست الكُل .. الله .. أحلى لون لست الكُل .. واحدة هنا كمان للأستاذ .. عينيا .. إلحق هدايا اسكندرية .. الشنطة الحرير"
بهذا الاستعراض يجذب هذا البائع الجائل أنظار مستقلّى عربة المترو و يغادر بعد أن يبقى فى نفس عربة المترو لمحطتين متتاليتين .. فى العادة الناس يشترون منه ولا يتركوه يغادر العربة إلا و قد "نفّعوه" .. هذا البائع أسلوبه فريد و لعله أهم سبب لشراء الناس منه .. كلمة "ولا" -التى يستخدمها للفت أنظار الركاب- يقولها و كأنه ينادى أحداً فى آخر العربة .. هذا نموذج فذ فى فن البيع للجمهور يتعلم منه من يريد أن يتعلّم و يستعلى عليه كل متكبّر جاهل.
"معايا سبيطر مان .. ترميه عالحيط يتشقلب .. عالشباك يتشقلب .. ترميه عالباب يتشقلب .. معايا سبيطر مان .. سبيطر مان العجيب .. هادى الأولاد و فرحهم .. هديّة حمادة و رشا .. سبيطر مان .. بجنيه واحد بس .. أيوة يا بيه .. أيوة يا مدام "
لم أخطئ فى الكتابة .. هو ينطقها هكذا "سبيطر مان" .. هذا الرجل لديه ذكاء بيعى فريد .. لديه وحدات من ذلك الـ "سبيطر مان" يقوم بإلقائها على باب المترو أحياناً و بجوار الشباك أحياناً أخرى ثم يتركها تؤدى نزولها البهلوانى على الجدار بشكل يلفت الأنظار .. و لكن ما الذكاء فى هذا ؟ .. الذكاء أنه يلقى هذا الـ"سبيطر مان" على جدار يقف أو يجلس بجانبه أطفال .. فما أن يرى الطفل السبيطر و هو يتحرك بهلوانياً حتى يلح على أبيه أو أمه كى يشترى/تشترى له واحداً .. و ما أن يشترى هذا الطفل حتى تبدأ عدوى شراء الـ "سبيطر مان" بين أطفال العربة انتشار النار فى الهشيم .. ما يعرفه أهل المبيعات بالعرض التجريبى المباشر-Live Demo- يقوم به هذا الرجل و باحتراف و هو يعرف جيداً زبونه المحتمل و يذهب ليؤدى هذا العرض التجريبى بجواره مباشرة لكى يرفع لديه الرغبة فى الشراء لا يستطيع معه الزبون المقاومة أو بالأحرى لا يستطيع والده و والدته المقاومة.
"اتفرّج يا بيه .. اتفرجى يا مدام .. إتفرجى يا آنسة .. إتفرّجى يا مزمزيل .. معايا المقوار السحرى .. مقوار للبتنجان و الكوسة و البطاطس .. المقوار العجيب .. مقوار المحشى السحرى .. قوّرى حلّة البتنجان و الكوسة فى عشر دقايق بس و مافيش واحدة هتبوظ منّك .. الطريقة سهلة خالص"
بهذه الجملة يفتتح هذا البائع حواره مع الركاب و سلسلة المبيعات التى سيقوم بها .. يدخل إلى العربة حاملاً شنطتين .. إحداهما بها عشرات المقوارات السحرية .. و الأخرى بها بتنجان و كوسة و بطاطس .. الرجل أحضر معه أدوات العرض التجريبى المباشر و لا يستغرق دقيقة إلا و قد بدأ عرضه المباشر .. يخرج ثمرة بتنجان و يبدأ بالشرح
" تجيبى البتنجانة كدة .. إقطعى الراس .. و حطى سن المقوار .. و لفّى فى ناحية واحدة خمس لفات كده .. و اسحبى المقوار هتلاقى القلب كله طلع فيه بالشكل ده .. و البتنجانة جاهزة للحشو على طول .. نجرّب الكوسة "
و يجرّب الكوسة و يبهر الناس كما أبهرهم فى حالة البتنجان .. يسارع الناس بإخراج النقود لشراء هذا المقوار السحرى فكلهم يريدون توفير الوقت و المجهود المبذول فى "التقوير" .. يطلب منه البعض أن يشترى المقوار الذى يستخدمه هو فى العرض التجريبى فيرفض و يقول له " أجرّب لك اللى تشتريه يا بيه إنّما ده مش للبيع" .. يبدو أن المقوار السحرى الذى يستخدمه هو ذو جودة أعلى من المقوار السحرى الذى يشتريه الناس .. منهم من يقبل و منهم من يشك و لا يشتريه
الجدير بالذكر أن الباعة الجائلين ممنوع تواجدهم فى عربات المترو و لكن كما رأينا هم كُثُر .. بالنسبة لموقفى من تواجد باعة جائلين فى المترو فإننى ضد وجودهم كباعة "جائلين" .. أنا مع تواجد أماكن لهؤلاء فى المحطات كباعة دائمين لإثراء النشاط التجارى و مع إخضاعهم لإشراف و رقابة .. هؤلاء الباعة يا سادة لديهم من المهارات ما يستحيل معه أن أطالبهم بالتوقف عن البيع فهم مازالوا يطلبون رزقهم بالحلال
الكلمة التى أود أن أختتم بها أننى لم أذكر كل نماذج الباعة الجائلين التى رأيتها فى المترو فى تلك التدوينة فهى نماذج كثيرة و منها أمثلة متفرّدة .. كبارقة أمل فى وسط الظلام فإننا لدينا أشخاصاً موهوبين فى فن البيع رغم أن الكثير منهم يبدو عليه أنه لم ينل حظّاً كبيراً من التعليم .. و لكن مدرسة الحياة علمت هؤلاء الكثير.
كبارقة أمل أخرى .. رأيت الفقراء يشترون من الفقراء -"عشان ينفّعوهم"- .. شكل من أشكال التضامن الإجتماعى بين الفقراء و بعضهم لا يفهمه المتعالين المتغطرسين اللذين يتشدقون بحقوق الإنسان و حقوق الفقراء فى القنوات التليفزيونية المختلفة و هم أبعد ما يكون عن الفقراء .. الغنى يا سادة يأتى من الاستغناء .. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك و اغننا بفضلك عمّن سواك و اغننا بكرمك عن سؤال اللئيم
السلام عليكم
2 comments: